احمد زايد مدير المنتدى
عدد الرسائل : 450 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 12/11/2007
| موضوع: مطر لا يرحم الأربعاء 12 ديسمبر 2007, 12:00 am | |
| بدأ ت السماء تتلبد بالغيوم .. واستحال ضياؤها إلى ظلام مخيف … هرع الصبية إلى بيوتهم مسرعين وهم يضعون أيديهم عبثا على رؤوسهم ليحتموا من حبات البرد التي تهوي عليهم ..
تلفت الصبي مذعورا وهو يرى أغنامه تهيم في ذلك الوادي خوفا من المطر ..
تذكر ما سيلقاه من عقاب لو أنه أهمل في الحفاظ على سلامتها ..
ولكن المطر بدأ يشتد ,,, حبات البرد لا ترحم ,, وبرودة الجو تدق عظامه .. إذا لا مفر من العدو خلفها وجمعها مهما كان الثمن ، وبعد طول عناء استطاع الصغير أن يجمع شتات قطيعه وقد اختلطت دماء تنزف من قدميه مع بقايا الطين العالقة بها …
انزوى في ركن صخرة ضخمة رأى أنها كفيلة بحمايته وأغنامه من غضب السماء ..
راح ينظر إلى قريته الساكنة في أحضان ذاك الوادي وأسقف البيوت تفيض بما تستقبله والشعاب الصغيرة تسيل جارفة معها كل ما خف حمله من نفايات وأغصان …
الهدوء مطبق على الأرجاء ..
لا حركة ..
لا أطفال ..
حتى المكان الذي كان يتجمع فيه كبار السن في قريتنا بات مهجورا في هذه اللحظة ، كيف لا والسماء لا تزال تصب من ظلمتها رحمة لهم وعذابا له …
استنشق نفسا عميقا وأسند ظهره إلى تلك الصخرة وراح يتأمل نعجة تلوذ عن صغيرها
تذكر أمه ,,, تذكر أباه ,, تذكر عمه الذي يكتنفه ويرعاه ,, وأي رعاية تلك …..
تذكر أشياء جميلة ولكن لم يكن له منها إلا متعة النظر ..
تذكر أطفالا يأتون هنا في الصيف ليقضوا في القرية أياما تزينها ألعابهم الثمينة ، وملابسهم الأنيقة وسياراتهم ,, حتى لهجتهم كانت حلوة عذبة ,, تذكر يوم التقى بعضهم في إحدى الولائم ..
كان ينظر إلى كل ما يفعلونه بإعجاب وينصت إلى كل كلمة ينطقون بها بتركيز وانتباه
آه وألف آه ……. كم يتمنى لو أنه في البيت الآن لأنه يعلم أن أبناء عمه أو إخوانه كما يطلق عليهم يجتمعون حول المدفأة ويشربون شرابا ساخنا وينظرون من النافذة إلى الرحمة التي تنزل عليهم من السماء ..
انتفض فجأة وكأنما تذكر أمرا ,,, انتصب قائما وانطلق صوب شجرة كان يخبئ تحتها إبريقا يصنع فيه الشاي …
تناول إبريقه وعزم على أن يصنع له شايا …
عاد إلى صخرته وأغنامه متسمرة في أماكنها وكأنها تنفذ أمرا من قائدها الصغير الذي لا يجد صعوبة في إفهامها أوامره .
بحث عن أغصان يشعل بها النار فلم يجد إلا أغصانا قد ابتلت بماء المطر ولكنه لم يستسلم فظل يبحث في جذور الأشجار الضخمة حتى عثر على ما يكفيه من الأغصان عاد فرحا إلى صخرته وبدأ يجهز مكانا يشعل فيه ما يعينه على كل تلك البرودة التي لم ترحم أنامله الصغيرة وهو يقلب في جيبه بحثا عن أعواد الثقاب ..
أخرج الأعواد من جيبه وسرعان ما ألقى بجسده الصغير على حافة الصخرة ..
زم شفتيه … شد قبضته .. قطب جبينه ,, وانفجر في بكاء مخنوق عندما رأى أعواد الثقاب وهي مبتلة بالماء فاقدة رؤوسها الدافئة ……
عاد ليرفع رأسه وينظر إلى قريته الهادئة تناول إبريق الشاي وطوح به بعيدا ,,,
ولكن لم يسمع أحد من القرية كل ذلك الحوار المحموم الذي دار بين الصغير وبين القرية … ولا يزال يبحث عن عود ثقاب ولا تزال القرية تبحث عن الصغير .
منقول للامانة | |
| |
|